عندما صعدت أربع مجموعات من لاعبي كرة القدم من أربع دول على ظهر الباخرة "كونتي فيردي" من ميناء "فييفرانش سور مير" في طريقها إلى أمريكا الجنوبية في 21 حزيران/يونيو 1930 لم تكن لديهم أي فكرة عن أنهم سيصبحون روادا لبطولة صارت الاشهر والاكثر أهمية في العالم في القرن العشرين.
وصعد إلى ظهر الباخرة أيضا إلى جانب هؤلاء تمثال صغير لسيدة تفرد جناحيها كتعبير مجازي عن النصر يستقر على قاعدة مثمنة ويزن نحو أربعة كيلوجرامات ويصل ارتفاعه إلى 35 سنتيمترا من تصميم النحات الفرنسي آبل لافلير.
وتماما مثل اللاعبين الذين مثلوا المنتخبات الوطنية لكل من فرنسا /الوحيدون الذين سافروا بالدرجة الاولى/ ورومانيا وبلجيكا ويوغوسلافيا /وقد سافروا جميعا بالدرجة الثالثة/ كان التمثال متوجها إلى مونتيفيدو في أوروجواي حيث انطلقت أول بطولة لكأس العالم في 13 تموز/يوليو.
وظهرت فكرة إقامة بطولة كأس العالم للمرة الاولى بمجرد تكوين الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 1904 لكنها لاقت معارضة من بعض الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد التي كانت تخشي من خسارة نفوذها كما أنها كانت ضد إقامة بطولة تكتسب صفة الاحتراف.
لكن هذه الدول سمحت لكرة القدم بأن تصبح رياضة أولمبية وبفضل مسابقة كرة القدم في الدورات الاولمبية زادت شعبية اللعبة وتجددت النداءات لاقامة منافسات مفتوحة أمام كل اللاعبين وتشمل كل أرجاء العالم.
وفي عام 1924 تجمع 50 ألف متفرج في استاد باريس لمشاهدة أوروجواي تفوز على سويسرا 3/صفر في نهائي مسابقة كرة القدم لدورة الالعاب الاولمبية مما دفع الاتحاد الدولي للعبة إلى التأكيد على أنه هناك حاجة لاقامة بطولة عالمية مستقلة لكرة القدم.
وشكل الفرنسي جول ريميه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك لجنة لدراسة إقامة بطولة عالمية خاصة بكرة القدم.
وقدم هنري ديلواناي رئيس اللجنة والامين العام للاتحاد الفرنسي لكرة القدم تقريره النهائي خلال دورة الالعاب الاولمبية التي أقيمت في أمستردام في عام 1928 مؤكدا إمكانية إقامة البطولة المنشودة للمرة الاولى في عام .1930
وبعد عام واحد اختيرت أوروجواي لتستضيف أول بطولة لكأس العالم وكلف آبل لافير بمهمة تصميم جائزة تقدم للفائز بهذا الحدث وأطلق على عمله الفني اسم كأس جول ريميه.
ولم يحظ اختيار أوروجواي لاستضافة هذا الحدث بفضل فوزها بمسابقة كرة القدم في دورتين أولمبيتين متتاليتين فضلا عن احتفالاتها بالذكري المئوية لانشائها بترحيب كبير بين الدول الاوروبية التي أبدت قلقها بسبب تكاليف الرحلة والفترة الزمنية التي يحتاجها اللاعبون للوصول إلى أمريكا الجنوبية.
وأقيمت هذه البطولة على أساس توجيه الدعوات لمجموعة من الدول للمشاركة فيها لكن الكثير من هذه الدول رفضت استثمار فرصة اللعب في أول بطولة عالمية واعتذرت عن المشاركة.
وقبل شهرين من انطلاق المنافسات لم تكن أي دولة أوروبية قد أكدت مشاركتها وفي النهاية كانت الفرق الاربع التي سافرت على ظهر "كونتي فيردي" هي الوحيدة التي شاركت في البطولة الاولى.
وانضم إلى هذه الدول سبع دول من أمريكا الجنوبية هي أوروجواي والارجنتين والبرازيل وبوليفيا وشيلي وباراجواي وبيرو إلى جانب المكسيك والولايات المتحدة الامريكية.
وحتى لا تتعرض المسابقة لمفاجآت أخرى قرر المنظمون عدم إجراء سحب قرعة البطولة قبل اكتمال وصول الفرق المشاركة إلى أوروجواي.
وبعد أن سحبت قرعة لتصنيف الفرق التي وزعت وفقا لمواقعها الجغرافية تأهلت يوغوسلافيا والولايات المتحدة والارجنتين وأورجواي إلى الدور نصف النهائي حيث فاز الفريقان الامريكيان الجنوبيان على الفريقين الاخرين بنتيجة واحدة هي 6/.1
وفي المباراة النهائية التي مثلت إعادة لنهائي مسابقة كرة القدم في دورة الالعاب الاولمبية عام 1928 تقدمت الارجنتين 2/1 في نهاية الشوط الاول لكن الروح عادت إلى أصحاب الارض في الشوط الثاني الذين نجحوا في قلب تخلفهم إلى فوز كبير 4/.2
ومن الطريف والمثير للدهشة أن الشوط الثاني لعب بكرة مختلفة عن الكرة الارجنتينية التي لعب بها الشوط الاول حيث توصل الفريقان إلى اتفاق قبل المباراة إلى لعب كل شوط بكرة تخص الفريق الاخر لانهما لم يتفقا على خوض المباراة بأي كرة من كرتي الفريقين.
وشهدت أول بطولة لكأس العالم البطل الاول لتسجيل الاهداف فيها وهو الارجنتيني جويرمو ستابيلي الذي فاز بلقب الهداف حيث سجل ثمانية أهداف في أربع مباريات.
وتميز المهاجم ستابيلي بحسن التحرك والسرعة وأطلق عليه لقب "إلفيلترادور" أي "الحشرة الطائرة" بسبب قدرته على اختراق المدافعين الخصوم وكان قد انضم إلى المنتخب كلاعب بديل إذا لم يسبق له أن شارك مع الفريق الوطني من قبل.
ولم يتم اختيار ستابيلي لخوض المباراة الاولى التي فاز فيها منتخب بلاده على فرنسا 1/صفر لكن عندما خاض المباراة الثانية لم ينظر أبدا خلفه حيث سجل ثلاثة أهداف في مرمى المكسيك في المباراة التي فازت فيها الارجنتين 6/.3
وعاد ستابيلي وسجل هدفين في مرمى شيلي حيث فاز فريقه 3/1 ومثلهما في مرمى الولايات المتحدة في لقاء الدور نصف النهائي الذي انتهى بفوز الارجنتين 6/.1
وفي المباراة النهائية نجح في إحراز هدف التقدم الثاني للارجنتين قبل أن تنهي أوروجواي المباراة في صالحها 4/.2
وبالمباراة النهائية انتهت أول بطولة رسمية لكأس العالم ومنذ هذه اللحظة بدأت البطولة في تحقيق قفزات ووثبات كبيرة.
لقد كانت الايام طويلة ومرهقة كما يصفها اللاعب الامريكي الدولي جورج بروان الذي شارك والده جو بروان في البطولة الاولى لكأس العالم والذي قال: "عندما لعب في أورجواي في أول بطولة لكأس العالم غاب لمدة ثلاثة أشهر. لقد ذهبوا إلى هناك بالباخرة واستغرقت الرحلة 14 يوما ذهابا و14 يوما إيابا وحصل كل لاعب على 300 دولار وحلة جديدة".
لقد كانت الايام طويلة ومرهقة أيضا بالنسبة للفرق التي تدربت معا كما حصل مع فرنسا ورومانيا وبلجيكا ويوغوسلافيا خلال الرحلة البحرية إلى أوروجواي.
واليوم لم تتغير فقط وسيلة المواصلات ولكن أيضا أصبح ما يقرب من 200 دولة تشارك في التصفيات (بطولة كأس العالم 1930 هي الوحيدة التي أقيمن بدون تصفيات) ولم تعد الفرق المتأهلة تتحمل نفقاتها بل على العكس فهى تحصل الان على ملايين عدة من الدولارات من الاتحاد الدولي لكرة القدم لتمويل مشاركاتها في النهائيات.
لكن الشيء الاساسي الذي لم يتغير هو أن عناصر الفريق الفائز باللقب يمكن أن يطلقوا على أنفسهم لقب أبطال العالم لمدة أربع سنوات على الاقل.
ا انتظروا المتابعة لهذا الموضوع